فصل: باب ما ينصرف وما لا ينصرف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  هذا باب أن وإن

فأحدها أن تكون فيه أن وما تعمل فيه من الأفعال بمنزلة مصادرها والآخر‏:‏ أن تكون فيه بمنزلة أي‏.‏

ووجهٌ آخر تكون فيه لغواً‏.‏

ووجهٌ آخر هي فيه مخففةَ من الثقيلة‏.‏

فأمّا الوجه الذي تكون فيه لغواً فنحو قولك‏:‏ لمَّا أن جاءوا ذهبت وأما واللّه أن لو فعلت لأكرمتك‏.‏

وأما إن فتكون للمجازاة وتكون أن يبتدأ ما بعدها في معنى اليمين وفي اليمين كما قال اّلله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ إن كلّ نفسٍ لما عليها حافظٌ ‏"‏ ‏"‏ وإن كلّ لما جميع لدينا محضرون ‏"‏‏.‏

وحدثني من لا أتهم عن رجل من أهل المدينة موثوق به أنه سمع عربيّا يتكّلم بمثل قولك‏:‏ إن زيدٌ لذاهبٌ وهي التي في قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏"‏ وإن كانوا ليقولون‏.‏

لو أنَّ عندنا ذكراً من الأوَّلين ‏"‏ وهذه إنَّ محذوفةٌ‏.‏

وتكون في معنى ما‏.‏

قال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ إن الكافرون إلاَّ في غرورٍ ‏"‏ أي‏:‏ ما الكافرون إلاّ في غرور‏.‏

وتصرف الكلام إلى الابتداء كما صرفتها ما إلى الابتداء في قولك‏:‏ إنمَّا وذلك قولك‏:‏ ما إن زيدٌ ذاهبٌ‏.‏

وقال فروة بن مسيك‏:‏ وما إن طبّنا جبنٌ ولكن منايانا ودولة آخرينا التي تكون والفعل بمنزلة مصدر تقول‏:‏ أن تأتيني خيرٌ لك كأنّك قلت‏:‏ الإتيان خيرٌ لك‏.‏

ومثل ذلك قوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ وأن تصوموا خيرٌ لكم ‏"‏ يعني الصوم خيرٌ لكم‏.‏

وقال الشاعر عبد الرحمن بن حسّان‏:‏

إنّي رأيت من المكارم حسبكم ** أن تلبسوا حرَّ الثياب وتشبعوا

كأنه قال‏:‏ رأيت حسبكم لبس الثياب‏.‏

واعلم أنّ اللام ونحوها من حروف الجرّ قد تحذف من أن كما حذفت من أنَّ جعلوها بمنزلة المصدر حين قلت‏:‏ فعلت ذاك حذر الشرِّ أي لحذر الشّر‏.‏

ويكون مجروراً على التفسير الآخر‏.‏

ومثل ذلك قولك‏:‏ إنّما انقطع إليك أن تكرمه أي‏:‏ لأن تكرمه‏.‏

ومثل ذلك قولك‏:‏ لا تفعل كذا وكذا أن يصيبك أمر تكرهه كأنّه قال‏:‏ لأن يصيبك أو من أجل أن يصيبك‏.‏

وقال عزّ وجل‏:‏ ‏"‏ أن تضلَّ إحداهما ‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ أأن كان ذا مالٍ وبنين ‏"‏ كأنه قال‏:‏ ألأن كان ذا مال وبنين‏.‏

وقال الأعشى‏:‏ فأن هاهنا حالها في حذف حرف الجرّ كحال أنَّ وتفسيرها كتفسيرها وهي مع صلتها بمنزلة المصدر‏.‏

ومن ذلك أيضاً قوله‏:‏ ائتني بعد أن يقع الأمر وأتاني بعد أن وقع الأمر كأنَّه قال‏:‏ بعد وقوع الأمر‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ أمّا أن أسير إلى الشأم فما أكرهه وأمّا أن أقيم فانّ فيه أجراً كأنه قال‏:‏ أما السيّرورة فما أكرهها وأمّا الإقامة فلى فيها أجرٌ‏.‏

وتقول‏:‏ لا يلبث أن يأتيك أي لا يلبث عن إتيانك‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ فما كان جواب قومه إلاَّ أن قالوا ‏"‏ فأن محمولة على كان كأنَّه قال‏:‏ فما كان جواب قومه إلاّ قول كذا وكذا‏.‏

وإن شئت رفعت الجواب فكانت أن منصوبةً‏.‏

وتقول‏:‏ ما منعك أن تأتينا أراد من إتياننا‏.‏

فهذا على حذف حرف الجرّ‏.‏

وفيه ما يجيء محمولاً على ما يرفع وينصب من الأفعال تقول‏:‏ قد خفت أن تفعل وسمعت عربّياً يقول‏:‏ أنعم أن تشدَّه أي بالغ في أن يكون ذلك هذا المعنى وأن محمولة على أنعم‏.‏

وقال جلّ ذكره‏:‏ ‏"‏ بئسما اشتروا به أنفسهم ‏"‏ ثم قال‏:‏ أن يكفروا على التفسير كأنه قيل له ما هو فقال‏:‏ هو أن يكفروا‏.‏

وتقول‏:‏ إني مّما أن أفعل ذاك كأنه قال‏:‏ إنّي من الأمر أو من الشأن أن أفعل ذاك فوقعت ما هذا الموقع كما تقول العرب‏:‏ بئسما له يريدون بئس الشيء ماله‏.‏

وتقول‏:‏ ائتني بعد ما تقول ذاك القول كأنك قلت‏:‏ ائتني بعد قولك ذاك القول كما أنك إذا قلت بعد أن تقول فإنما تريد ذاك ولو كانت بعد مع ما بمنزلة كلمةٍ واحدة لم تقل‏:‏ ائتني من بعد ما تقول ذاك القول ولكانت الدال على حالٍ واحدة‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ إنّي مّما أفعل فتكون ما مع من بمنزلة كلمة واحدة نحو ربمَّا‏.‏

قال أبو حيّة النميّري‏:‏ وإنّا لممَّا نضرب الكبش ضربةً على رأسه تلقى اللسان من الفم وتقول إذا أضفت إلى الأسماء‏:‏ إنّه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل وإن شئت قلت‏:‏ إنّه أهل أن يفعل ومخافة أن يفعل كأنك قلت‏:‏ إنّه أهل لأن يفعل ومخافة لأن يفعل‏.‏

وهذه الإضافة كإضافتهم بعض الأشياء إلى أن‏.‏

قال‏:‏ تظلّ الشمس كاسفةً عليه كآبة أنهّا فقدت عقيلاً وتقول‏:‏ أنت أهلٌ أن تفعل أهلٌ عاملة في أن كأنك قلت‏:‏ أنت مستحقٌ أن تفعل‏.‏

وسمعنا فصحاء العرب يقولون‏:‏ لحقّ أنّه ذاهبٌ فيضيفون كأنه قال‏:‏ ليقين أنه ذاهبٌ أي ليقين ذاك وتقول‏:‏ إنّه خليقٌ لأن يفعل وإنّه خليقٌ أن يفعل على الحذف‏.‏

وتقول‏:‏ عسيت أن تفعل فأن هاهنا بمنزلتها في قولك‏:‏ قاربت أن تفعل أي‏:‏ قاربت ذاك وبمنزلة‏:‏ دنوت أن تفعل‏.‏

واخلو لقت السماء أن تمطر أي‏:‏ لأن تمطر‏.‏

وعسيت بمنزلة اخلولقت السماء‏.‏

ولا يستعملون المصدر هنا كما لم يستعملوا الاسم الذي الفعل في موضعه كقولك‏:‏ اذهب بذي تسلم ولا يقولون‏:‏ عسيت الفعل ولا عسيت للفعل‏.‏

وتقول‏:‏ عسى أن يفعل وعسى أن يفعلوا وعسى أن يفعلا وعسى محمولة عليها أن كما تقول‏:‏ دنا أن يفعلوا وكما قالوا‏:‏ اخلولقت السماء أن تمطر وكلَّ ذلك تكلَّم به عامة العرب‏.‏

وكينونة عسى للواحد والجميع والمؤنثَّ تدلك على ذلك‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ عسى وعسيا وعسوا وعست وعستا وعسين‏.‏

فمن قال ذلك كانت أن فيهن بمنزلتها في أنَّها منصوبة‏.‏

واعلم أنَّهم لم يستعملوا عسى فعلك استغنوا بأن تفعل عن ذلك كما استغنى أكثر العرب بعسى عن أن يقولوا‏:‏ عسيا وعسوا وبلو أنّه ذاهبٌ عن لو ذهابه‏.‏

ومع هذا أنَّهم لم يستعملوا المصدر في هذا الباب كما لم يستعملوا الاسم الذي في موضعه يفعل في عسى وكاد فترك هذا لأنَّ من كلامهم الاستغناء بالشيء عن الشيء‏.‏

واعلم أن من العرب من يقول‏:‏ عسى يفعل يشبهها بكاد يفعل فيفعل حينئذ في موضع الاسم المنصوب في قوله‏:‏ عسى الغوير أبؤساً‏.‏

فهذا مثل من أمثال العرب أجروا فيه عسى محرى كان‏.‏

قال هدبة‏:‏ عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرجٌ قريب وقال‏:‏ عسى اّلله يغنى بلاد ابن قادرٍ بمنهمرٍ جون الرَّباب سكوب وقال‏:‏ فأمّا كيَّسٌ فنجا ولكن عسى يغترّ بي حمقٌ لئيم وأمّا كاد فإنَّهم لا يذكرون فيها أن وكذلك كرب يفعل ومعناهما واحد‏.‏

يقولون‏:‏ كرب يفعل وكاد يفعل ولا يذكرون الأسماء في موضع هذه الأفعال لما ذكرت لك في الكرّاسة التي تليها‏.‏

ومثله‏:‏ جعل يقول لا تذكر الاسم ههنا‏.‏

ومثله أخذ يقول فالفعل ههنا بمنزلة الفعل في كان إذا قلت‏:‏ كان يقول وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته ثمَّ وهو ثمَّ خبرٌ كما أنه ههنا خبر إلاَّ أنَّك لا تستعمل الاسم فأخلصوا هذه الحروف للأفعال كما خلصت حروف الاستفهام للأفعال نحو‏:‏ هلاَّ وألاَّ‏.‏

قد كاد من طول البلى أن يمصحا والمحص مثله‏.‏

وقد يجوز في الشعر أيضاً لعلِّى أن أفعل بمنزلة عسيت أن أفعل‏.‏

وتقول‏:‏ يوشك أن تجيء وأن محمولة على يوشك‏.‏

وتقول‏:‏ توشك أن تجيء فأن في موضع نصب كأنك قلت‏:‏ قاربت أن تفعل‏.‏

وقد يجوز يوشك يجيء بمنزلة عسى يجيء وقال أمّية بن أبي الصَّلت‏:‏ يوشك من فرَّ من منيّته في بعض غرّاته يوافقها وهذه الحروف التي هي لتقريب الأمور شبيهةٌ بعضها ببعض ولها نحو ليس لغيرها من الأفعال‏.‏

وسألته عن معنى قوله‏:‏ أريد لأن أفعل إنَّما يريد أن يقول إرادتي لهذا كما قال عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ وأمرت لأن أكون أوَّل المسلمين ‏"‏ إنمّا هو أمرت لهذا‏.‏

وسألت الخليل عن قول الفرزدق‏:‏

أتغضب إن أذنا قتيبة حزَّتا جهاراً ** ولم تغضب لقتل ابن خازم

فقال‏:‏ لأنه قبيح أن تفصل بين إن والفعل كما قبح أن تفصل بين كي والفعل فلمّا قبح ذلك ولم باب ما تكون فيه أن بمنزلة أي وذلك قوله عزّ وجل‏:‏ ‏"‏ وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا ‏"‏ زعم الخليل أنه بمنزلة أي لأنّك إذا قلت‏:‏ انطلق بنو فلان أن امشوا فأنت لا تريد أن تخبر أنهم انطلقوا بالمشي ومثل ذلك‏:‏ ما قلت لهم إلاَّ ما أمرتني به أن اعبدوا اّلله‏.‏

وهذا تفسير الخليل‏.‏

ومثل هذا في القرآن كثير‏.‏

وأما قوله‏:‏ كتبت إليه أن افعل وأمرته أن قم فيكون على وجهين‏:‏ على أن تكون أن التي تنصب الأفعال ووصلتها بحرف الأمر والنهي كما تصل الذي بتفعل إذا خاطبت حين تقول أنت الذي تفعل فوصلت أن بقم لأنه في موضع أمر كما وصلت الذي بتقول وأشباهها إذا خاطبت‏.‏

والدليل على أنها تكون أن التي تنصب أنَّك تدخل الباء فتقول‏:‏ أوعزت إليه بأن افعل فلو كانت أي لم تدخلها الباء كما تدخلها الباء كما تدخل في الأسماء‏.‏

والوجه الآخر‏:‏ أن تكون بمنزلة أي كما كانت بمنزلة أي في الأوّل‏.‏

وأمّا قوله عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ وآخر دعواهم أن الحمد للهّ ربّ العالمين ‏"‏ وآخر قولهم أن لا إله إلاّ الله فعلى قوله أنّه الحمد لله ولا إله إلا اّلله‏.‏

ولا تكون أن التي تنصب الفعل لأنّ تلك لا يبتدأ بعدها الأسماء‏.‏

ولا تكون أي لآنّ أي إنّما تجيء بعد كلام مستغنٍ ولا تكون في موضع المبنيِّ على المبتدأ‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ وناديناه أن يا إبراهيم‏.‏

قد صدَّقت الرّؤيا كأنه قال جلّ وعزّ‏:‏ ناديناه أنَّك قد صدّقت الرؤيا يا إبراهيم‏.‏

وقال الخليل‏:‏ تكون أيضاً على أي‏.‏

وإذا قلت‏:‏ أرسل إليه أن ما أنت وذا فهي على أي وإن أدخلت الباء على أنَّك وأنَّه فكأنه يقول‏:‏ أرسل إليه بأنَّك ما أنت وذا جاز ويدّلك على ذلك‏:‏ أنَّ العرب قد تكلّم به في ذا الموضع مثقلاً‏.‏

ومن قال‏:‏ والخامسة أن غضب اّلله عليها فكأنه قال‏:‏ أنَّه غضب اّلله عليها لا تخِّففها في الكلام أبداً وبعدها الأسماء إلاَّ وأنت تريد الثقيلة مضمراً فيها الاسم فلو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون في الشعِّر إذا اضطروا بكأن إذا خففّوا يريدون معنى كأنَّ ولم يريدوا الإضمار وذلك قوله‏:‏ كأن وريديه رشاء خلب وهذه الكاف إنَّما هي مضافة إلى أنّ فلمَّا اضطررت إلى التخفيف فلم تضمر لم يغيِّر ذلك في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا أن هالكٌ كلّ من يحفى وينتعل كأنه قال‏:‏ أنَّه هالك‏:‏ ٌ ومثل ذلك‏:‏ أوّل ما أقول أن بسم الله كأنه قال‏:‏ أوّل ما أقول أنَّه بسم الله‏.‏

وإن شئت رفعت في قول الشاعر‏:‏ كأن وريداه رشاء خلب على مثل الإضمار الذي في قوله‏:‏ إنَّه من يأتها تعطه أو يكون هذا المضمر هو الذي ذكر كما قال‏:‏ كأن ظبيةٌ تعطو إلى وارق السَّلم ولو أنَّهم إذ حذفوا جعلوه بمنزلة إنما كما جعلوا إن بمنزلة لكن لكان وجهاً قويّا‏.‏

وأمّا قوله‏:‏ أن بسم الله فإنما يكون على الإضمار لأنّك لم تذكر مبتدأ أو مبنيّاً عليه‏.‏

والدليل على أنهم إنّما يخففّون على إضمار الهاء أنك تستقبح‏:‏ قد عرفت أن يقول ذاك حتّى تقول أن لا أو تدخل سوف أو السين أو قد‏.‏

ولو كانت بمنزلة حروف الابتداء لذكرت الفعل مرفوعاً بعدها كما تذكره بعد هذه الحروف كما تقول‏:‏ إنما تقول ولكن تقول وذلك قولك‏:‏ قد علمت أن لا يقول ذاك وقد تيقّنت أن لا تفعل ذاك كأنه قال‏:‏ أنَّه لا يقول وأنَّك لا تفعل‏.‏

ونظير ذلك قوله عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ علم أن سيكون منكم مرضى ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً ‏"‏ وقال أيضاً‏:‏ ‏"‏ لئلاَّ يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء ‏"‏‏.‏

وزعموا أنَّها في مصحف أبيّ ٍ‏:‏ أنَّهم لا يقدرون‏.‏

وليست أن التي تنصب الأفعال تقع في هذا الموضع لأنّ ذا موضع يقين وإيجابٍ‏.‏

وتقول‏:‏ كتبت إليه أن لا تقل ذاك وكتبت غليه أن لا يقول ذاك وكتبت إليه أن لا تقول ذاك‏.‏

فأمّا الجزم فعلى الأمر‏.‏

وأمّا النصب فعلى قولك لئلاَّ يقول ذاك‏.‏

وأمّا الرفع فعلى قولك‏:‏ لأنّك لا تقول ذاك أو بأنَّك لا تقول ذاك تحبره بأنّ ذا قد وقع من أمره‏.‏

فأمّا ظننت وحسبت وخلت ورأيت فانَّ أن تكون فيها على وجهين‏:‏ على أنها تكون أن التي تنصب الفعل وتكون أنَّ الثقيلة‏.‏

فإذا رفعت قلت‏:‏ قد حسبت أن لا يقول ذاك وأرى أن سيفعل ذاك‏.‏

ولا تدخل هذه السين في الفعل ههنا حتى تكون أنّه‏.‏

وقال عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ وحسبوا أن لا تكون فتنةٌ ‏"‏ كأنك قلت‏:‏ قد حسبت أنَّه لا يقول ذاك‏.‏

وإنمّا حسنت أنَّه ههنا لأنك قد أثبتَّ هذا في ظِّنك كما أثبتَّه في علمك وأنَّك أدخلته في ظنّك على أنه ثابتٌ الآن كما كان في العلم ولولا ذلك لم يحسن أنَّك ههنا ولا أنَّه فجرى الظنّ ههنا مجرى اليقين لأنَّه نفيه‏.‏

وإن شئت نصبت فجعلتهن بمنزلة خشيت وخفت فتقول‏:‏ ظننت أن لا تفعل ذاك‏.‏

ونظير ذلك‏:‏ تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ و‏:‏ إن ظنَّا أن يقيما حدود الله‏.‏

فلا إذا دخلت ههنا لم تغيرّ الكلام عن حاله وإنمّا منع خشيت أن تكون بمنزلة خلت وظننت وعلمت إذا أردت الرفع أنك لا تريد أن تخبر أنك تخشى شيئاً قد ثبت عندك ولكنه كقولك‏:‏ أرجو وأطمع وعسى‏.‏

فأنت لا توجب إذا ذكرت شيئاً من هذه الحروف ولذلك ضعف أرجو أنَّك تفعل وأطمع أنَّك فاعلٌ‏.‏

ولو قال رجلٌ‏:‏ أخشى أن لا تفعل يريد أن يخبر أنه يخشى أمراً قد استقرّ عنده كائن جاز‏.‏

وليس وجه الكلام‏.‏

واعلم أنَّه ضعيفٌ في الكلام أن تقول‏:‏ قد علمت أن تفعل ذاك ولا قد علمت أن فعل ذاك حتَّى تقول‏:‏ سيفعل أو قد فعل أو تنفي فتدخل لا وذلك لأنَّهم جعلوا ذلك عوضاً مما حذفوا من أنَّه فكرهوا أن يدعوا السين أو قد إذ قدروا على أن تكون عوضاً ولا تنقص ما يريدون لو لم يدخلوا قد ولا السين‏.‏

وأمّا قولهم‏:‏ أما أن جزاك اللّه خيراٍ فإنَّهم إنما أجازوه لأنه دعاءٌ ولا يصلون إلى قد ههنا ولا إلى السين‏.‏

وكذلك لو قلت‏:‏ أما أن يغفر اللّه لك جاز لأنّه دعاءٌ ولا تصل هنا إلى السين‏.‏

ومع هذا أيضاً أنَّه قد كثر في كلامهم حتّى حذفوا فيه إنَّه وإنَّه لا تحذف في غير هذا الموضع‏.‏

سمعناهم يقولون‏:‏ أما إن جزاك الله خيراً شبهّوه بأنَّه فلمَّا جازت إنَّ كانت هذه أجوز‏.‏

وتقول‏:‏ ما علمت إلاَّ أن أن تقوم وما أعلم إلا أن تأتيه إذا لم ترد أن تخبر أنك قد علمت شيئاً كائناً البتّة ولكنك تكلّمت به على وجه الإشارة كما تقول‏:‏ أرى من الرأي أن تقوم فأنت لا تخبر أنّ قياماً قد ثبت كائناً أو يكون فيما تستقبل البتَّة فكأنه قال‏:‏ لو قمتم‏.‏

فلو أراد غير هذا المعنى لقال‏:‏ ما علمت إلاَّ أن ستقومون‏.‏

وإنمَّا جاز قد علمت أن عمروٌ ذاهبٌ لأنّك قد جئت بعده باسم وخبر كما كان يكون بعده لو ثقَّلته وأعملته فلمَّا جئت بالفعل بعد أن جئت بشيء كان سيمتنع أن يكون بعده لو ثقّلته أو قلت‏:‏ قد علمت أن يقول ذاك كان يمتنع فكرهوا أن يجمعوا عليه الحذف وجواز ما لم يكن يجوز بعده مثقّلا فجعلوا هذه الحروف عوضاً‏.‏

  هذا باب أم وأو

أمّا أم فلا يكون الكلام بها إلاَّ استفهاماً‏.‏

ويقع الكلام بها في الاستفهام على وجهين‏:‏ على معنى أيّهما وأيهّم وعلى أن يكون الاستفهام الآخر منقطعاً من الأوّل‏.‏

وأمّا أو فإنما يثبت بها بعض الأشياء وتكون في الخبر‏.‏

والاستفهام يدخل عليها على ذلك الحّد‏.‏

وسأبيّن لك وجوهه إن شاء اللّه تعالى‏.‏

  باب أم

إذا كان الكلام بها بمنزلة أيّهما وأيّهم وذلك قولك‏:‏ أزيدٌ عندك أم عمروٌ وأزيداً لقيت أم بشراً فأنت الآن مدَّع أنَّ عنده أحدهما لأنَّك إذا قلت‏:‏ أيهما عندك وأيَّهما لقيت‏.‏

فأنت مدّعٍ أنّ المسئول قد لقي أحدهما أو أنّ عنده أحدهما الاَّ أن علمك قد استوى فيهما لا تدري أيهّما هو‏.‏

والدليل على أن قولك‏:‏ أزيدٌ عندك أم عمروٌ بمنزلة قولك‏:‏ أيّهما عندك أنَّك لو قلت‏:‏ أزيدٌ عندك أم بشرٌ فقال المسئول‏:‏ لا كان محالا كما أنَّه إذا قال‏:‏ أيهّما عندك فقال‏:‏ لا فقد أحال‏.‏

واعلم أنّك إذا أردت هذا المعنى فتقديم الاسم أحسن لأنك لا تسأله عن اللّقى وإنَّما تسأله عن أحد الاسمين لا تدري أيّهما هو فبدأت بالاسم لأنَّك تقصد قصد أن يبين لك أيّ الاسمين في هذا الحال وجعلت الاسم الآخر عديلاً للأوّل فصار الذي لا تسأل عنه بينهما‏.‏

ولو قلت‏:‏ ألقيت زيداً أم عمراً كان جائزاً حسناً أو قلت‏:‏ أعندك زيدٌ أم عمرو كان كذلك‏.‏

وإنّما كان تقديم الاسم ههنا أحسن ولم يجز للآخر إلاَّ أن يكون مؤخراً لأنه قصد قصد أحد الاسمين فبدأ بأحدهما لأنّ حاجته أحدهما فبدأ به مع القصة التي لا يسأل عنها لأنّه إنّما يسأل عن أحدهما من أجلها فإنما يفرغ مما يقصد قصده بقصّته ثم يعدله بالثاني‏.‏

ومن هذا الباب قوله‏:‏ ما أبالي أزيداً لقيت أم عمراً وسواءٌ عليَّ أبشراً كلّمت أم زيدا كما تقول‏:‏ ما أبالي أيَّهما لقيت‏.‏

وإنَّما جاز حرف الاستفهام ههنا لأنّك سوّيت الأمرين عليك كما استويا حين قلت‏:‏ أزيدٌ عندك أم عمرو فجرى هذا على حرف الاستفهام كما جرى على حرف النِّداء قولهم‏:‏ اللهمَّ اغفر لنا أيَّتها العصابة‏.‏

وإنمّا لزمت أم ههنا لأنّك تريد معنى أيَّهما‏.‏

ألا ترى أنَّك تقول‏:‏ ما أبالي أيّ ذلك كان وسواءٌ عليَّ أيّ ذلك كان فالمعنى واحد وأيّ ههنا تحسن وتجوز كم جازت في المسألة‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ ما أدري أزيدٌ ثمَّ أم عمروٌ وليت شعري أزيدٌ ثمَّ أم عمروٌ فإنَّما أوقعت أم ههنا كما أوقعته في الذي قبله لأنّ ذا يجرى على حرف الاستفهام حيث استوى علمك فيهما كما جرى الأوّل‏.‏

ألا ترى أنّك تقول ليت شعري أيّهما ثمّ وما أدري أيهّما ثمَّ فيجوز أيهّما ويحسن كما جاز في قولك‏:‏ أيهّما ثمَّ‏.‏

وتقول‏:‏ أضربت زيداً أم قتلته فالبدء ههنا بالفعل أحسن لأنّك إنما تسأل عن أحدهما لا تدري أيّهما كان ولا تسأل عن موضع أحدهما فالبدء بالفعل ههنا أحسن كما كان البدء بالاسم ثمَّ فيما ذكرنا أحسن كأنّك قلت‏:‏ أيّ ذاك كان بزيدٍ‏.‏

وتقول‏:‏ أضربت أم قتلت زيداً لأنك مدَّعٍ أحد الفعلين‏:‏ ولا تدري أيهمّا هو كأنك قلت‏:‏ أيّ ذاك كان بزيد‏.‏

وتقول‏:‏ ما أدري أقام أم قعد إذا أردت‏:‏ ما أدري أيّهما كان‏.‏

وتقول‏:‏ ما أدري أقام أو قعد إذا أردت‏:‏ أنه لم يكن بين قيامه وقعوده شيءٌ كأنّه قال‏:‏ لا أدَّعي أنه كان منه في تلك الحال قيامٌ ولا قعودٌ بعد قيامه أي‏:‏ لم أعدَّ قيامه قياماً ولم يستبن لي قعودٌ بعد قيامه وهو كقول الرجل‏:‏ تكلمت ولم تكلَّم‏.‏

  هذا باب أم منقطعةً

وذلك قولك‏:‏ أعمروٌ عندك أم عندك زيدٌ فهذا ليس بمنزلة‏:‏ أيهَّما عندك‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت‏:‏ ويدلّك على أن هذا الآخر منقطعٌ من الأوّل قول الرجل‏:‏ إنِّها لإبلٌ ثم يقول‏:‏ أم شاءٌ يا قوم‏.‏

فكما جاءت أم ههنا بعد الخبر منقطعةً كذلك تجيء بعد الاستفهام وذلك أنه حين قال‏:‏ أعمروٌ عندك فقد ظنَّ أنَّه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظنّ في زيد بعد أن استغنى كلامه وكذلك‏:‏ إنها لإبلٌ أم شاءٌ إنّما أدركه الشكّ حيث مضى كلامه على اليقين‏.‏

وبمنزلة أم ههنا قوله عزّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ آلم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين‏.‏

أم يقولون افتراه ‏"‏ فجاء هذا الكلام على كلام العرب قد علم تبارك وتعالى وذلك من قولهم ولكن هذا على كلام العرب ليعرَّفوا ضلالتهم‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون‏.‏

أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين كأنَّ فرعون قال‏:‏ أفلا تبصرون أم أنتم بصراء‏.‏

فقوله‏:‏ أم أنا خيرٌ من هذا بمنزلة‏:‏ أم أنتم بصراء لأنّهم لو قالوا‏:‏ أنت خيرٌ منه كان بمنزلة قولهم‏:‏ نحن بصراء عنده وكذلك‏:‏ أم أنا خيرٌ بمنزلته لو قال‏:‏ أم أنتم بصراء‏.‏

ومثل ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أم اتَّخذ ممَّا يخلق بناتٍ وأصفاكم بالبنين ‏"‏‏.‏

فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون‏:‏ أنّ الله عزّ وجلَّ لم يتخَّذ ولداً ولكنه جاء حرف الاستفهام ليبصَّروا ضلالتهم‏.‏

ألا ترى أنّ الرجل يقول للرجل‏:‏ آلسعادة أحبّ إليك أم الشقّاء وقد علم أنّ السعادة ومن ذلك أيضاً‏:‏ أعندك زيدٌ أم لا كأنه حيث قال‏:‏ أعندك زيدٌ كان يظنّ أنه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظنّ في أنه ليس عنده فقال‏:‏ أم لا‏.‏

وزعم الخليل أنّ قول الأخطل‏:‏ كذبتك عنك أم رأيت بواسطٍ غلس الظلاّم من الرَّباب خيالا كقولك‏:‏ إنَّها لإبلٌ أم شاءٌ‏.‏

ومثل ذلك قول الشاعر وهو كثَّير عزّة‏:‏ أليس أبي بالَّنضر أم ليس والدي لكلّ نجيبً من خزاعة أزهرا ويجوز في الشعر أن يريد بكذبتك الاستفهام ويحذف الإلف‏.‏

قال التميمي وهو الأسود بن يعفر‏:‏ لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً شعيث بن سهمٍ أم شعيث بن منقر وقال عمر بن أبي ربيعة‏:‏ لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً بسبعٍ رمين الجمر أم بثمان هذا باب أو تقول‏:‏ أيَّهم تضرب أو تقتل تعمل أحدهما ومن يأتيك أو يحدّثك أو يكرمك لا يكون ههنا إلاَّ أو من قبل أنك إنما تستفهم عن الاسم المفعول وإنما حاجتك إلى صاحبك أن يقول‏:‏ فلانٌ‏.‏

وعلى هذا الحدّ يجرى ما ومتى وكيف وكم وأين‏.‏

وتقول‏:‏ هل عندك شعيرٌ أو برٌّ أو تمرٌ وهل تأتينا أو تحدّثنا لا يكون إلاَّ ذلك‏.‏

وذاك أنّ هل ليست بمنزلة ألف الاستفهام لأنك إذا قلت‏:‏ هل تضرب زيداً فلا يكون أن تدَّعي أنّ الضرب واقعٌ وقد تقول‏:‏ أتضرب زبداً وأنت تدَّعي أنَّ الضرب واقعٌ‏.‏

ومما يدلّك على أن ألف الاستفهام ليست بمنزلة هل أنك تقول للرجل‏:‏ أطرباً‏!‏ وأنت تعلم أنّه قد طرب لتوبَّخه وتقِّرره‏.‏

ولا تقول هذا بعد هل‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ هل تأتيني أم تحدّثني وهل عندك برٌّ أم شعيرٌ على كلامين‏.‏

وكذلك سائر حروف الاستفهام التي ذكرنا‏.‏

وعلى هذا قالوا‏:‏ هل تأتينا أم هل تحدّثنا‏.‏

قال زفر بن الحارث‏:‏ أبا مالك هل لمتنى مذ حضضتني على القتل أم هل لامني لك لائم وكذلك سمعناه من العرب‏.‏

فأمَّا الذين قالوا‏:‏ أم هل لامني لك لائم فإنَّما قالوه على أنه أدركه الظنّ بعد ما مضى صدر حديثه‏.‏

وأمّا الذين قالوا‏:‏ أو هل فإنَّهم جعلوه كلاماً واحداً‏.‏

وتقول‏:‏ ما أدري هل تأتينا أو تحدّثنا وليت شعري هل تأتينا أو تحدثنا فهل ههنا بمنزلتها في الاستفهام إذا قلت‏:‏ هل تأتينا وإنما أدخلت هل ههنا لأنك إنما تقول‏:‏ أعلمني كما أردت ذلك حين قلت‏:‏ هل تأتينا أو تحدثّنا فجرى هذا مجرى قوله عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ هل يسمعونكم إذ تدعون‏.‏

أو ينفعونكم أو يضرّون ‏"‏ وقال زهير‏:‏ ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى من الأمر أو يبدو لهم ما بداليا وقال مالك بن الريب‏:‏ ألا ليت شعري هل تغيرَّت الرَّحا رحا الحزن أو أضحت بفلجٍ كما هيا فهذا سمعناه ممن ينشده من بني عِّمه‏.‏

وقال أناسٌ‏:‏ أم أضحت على كلامين كما قال علقمة بن عبدة‏:‏ هل ما علمت وما استودعت مكتوم أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم أم هل كبيرٌ بكى لم يقض عبرته إثر الأحبّة يوم البين مشكوم هذا باب آخر من أبواب أو تقول‏:‏ ألقيت زيداً أو عمراً أو خالداً وأعندك زيد أو خالدٌ أو عمروٌ كأنّك قلت‏:‏ أعندك أحدٌ من هؤلاء وذلك أنّك للم تدَّع أن أحداً منهم ثمَّ‏.‏

ألا ترى أنه إذا أجابك قال‏:‏ لا كما يقول إذا قلت‏:‏ أعندك أحدٌ من هؤلاء‏.‏

واعلم أنَّك إذا أردت هذا المعنى فتأخير الاسم أحسن لأنّك إنَّما تسأل عن الفعل بمن وقع‏.‏

ولو قلت‏:‏ أزيداً لقيت أو عمراً أو خالداً وأزيدٌ عندك أو عمروٌ أو خالدٌ كان هذا في الجواز والحسن بمنزلة تأخير الاسم إذا أردت معنى أيهّما‏.‏

فإذا قلت‏:‏ أزيدٌ أفضل أم عمرو لم يجز ههنا إلاَّ أم لأنّك إنَّما تسأل عن أفضلهما ولست تسأل عن صاحب الفضل‏.‏

ألا ترى أنَّك لو قلت‏:‏ أزيدٌ أفضل لم يجز كما يجوز‏:‏ أضربت زيداً فذلك يدلّك أنّ معناه معنى أيهّما‏.‏

إلا أنَّك إذا سألت عن الفعل استغنى بأوّل اسم‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ ما أدري أزيدٌ أفضل أم عمروٌ وليت شعري أزيدٌ أفضل أم عمروّ‏.‏

فهذا كلّه على معنى أيّهما أفضل‏.‏

وتقول‏:‏ ليت شعري ألقيت زيداً أو عمراً وما أدري أعندك زيدٌ أو عمروٌ فهذا يجري مجرى ألقيت زيداً أو عمراً وأعندك زيدٌ أو عمروٌ‏.‏

فإن شئت قلت‏:‏ ما أدري أزيدٌ عندك أو عمروٌ فكان جائزا حسا كما جاز أزيدٌ عندك أو عمرو‏.‏

وتقديم الاسمين جميعاً مثله وهو مَّؤخر وإن كانت أضعف‏.‏

فأما إذا قلت‏:‏ ما أبالي أضربت زيداً أم عمراً فلا يكون هنا إلاَّ أم لأنه لا يجوز لك السكوت على أوّل الاسمين فلا يجيء هذا إلاَّ على معنى أيهَّما وتقديم الاسم ههنا أحسن‏.‏

وتقول‏:‏ أتجلس أو تذهب أو تحدّثنا وذلك إذا أردت هل يكون شيء من هذه الأفعال‏.‏

فأمَّا إذا ادَّعيت أحدهما فليس إلاَّ أتجلس أم تذهب أم تأكل كأنَّك قلت‏:‏ أيَّ هذه الأفعال يكون منك‏.‏

وتقول‏:‏ أتضرب زيداً أم تشم عمراً أم تكلّم خالداً‏.‏

ومثل ذلك أتضرب زيداً أو تضرب عمراً أو تضرب خالداً إذا أردت هل يكون شيء من ضرب واحد من هؤلاء‏.‏

وإن أردت أيّ ضرب هؤلاء يكون قلت‏:‏ أم‏.‏

قال حسّان بن ثابت‏:‏ ما أبالي أنبَّ بالحزن تيسٌ أم لحاني بظهر غيبٍ لئيم كأنه قال‏:‏ ما أبالي أيّ الفعلين كان‏.‏

وتقول‏:‏ أزيداً أو عمراً رأيت أم بشراً وذلك أنَّك لم ترد أن تجعل عمراً عديلاً لزيد حتى يصير بمنزلة أيّهما ولكنَّك أردت أن يكون حشواً فكأنك قلت‏:‏ أأحد هذين رأيت أم بشراً‏.‏

ومثل ذلك قول صفَّية بنت عبد المطلب‏:‏ وذلك أنَّها لم ترد أن تجعل لتمر عديلاً للأقط لأنّ المسئول عندها لم يكن عندها ممن قال‏:‏ هو إما تمرٌ وإمّا أقطٌ وإمّا قرشيٌّ ولكنها قالت‏:‏ أهو طعامٌ أم قرشيٌّ فكأنها قالت‏:‏ أشيئاً من هذين الشيئين رأيته أم قرشياً‏.‏

وتقول‏:‏ أعندك زيدٌ أو عندك عمروٌ أو عندك خالدٌ كأنَّك قلت‏:‏ هل عندك من هذه الكينونات شيءٌ فصار هذا كقولك‏:‏ أتضرب زيداً أو تضرب عمراً أو تضرب خالداً‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ أتضرب زيداً أو عمراً أو خالداً وتقول‏:‏ أعاقلٌ عمروٌ أو عالمٌ وتقول‏:‏ أتضرب عمرا أو تشتمه تجعل الفعلين والاسم بينهما بمنزلة الاسمين والفعل بينهما لأنَّك قد أثبتَّ عمراً لأحد الفعلين كما أثبتَّ الفعل هناك لأحد الاسمين وادعَّيت أحدهما كما ادَّعيت ثمَّ أحد الاسمين‏.‏

وإن قدّمت الاسم فعربيٌّ حسن‏.‏

وأمّا إذا قلت‏:‏ أتضرب أو تحبس زيداً فهو بمنزلة أزيدا أو عمراً تضرب‏.‏

قال جرير‏:‏ أثعلبة الفوارس أو رياحاً عدلت بهم طهية والخشابا وإن قلت‏:‏ أزيدا تضرب أو تقتل كان كقولك‏:‏ أتقتل زيداً أو عمراً وأم في كلّ هذا جيدّةٌ‏.‏

وإذا قال‏:‏ أتجلس أم تذهب فأم وأو فيه سواءٌ لأنّك لا تستطيع أن تفصل علامة المضمر فتجعل لأو حالاً سوى حال أم‏.‏

وكذلك‏:‏ أتضرب زيداً أو تقتل خالداً لأنَّك لم تثبت أحد وإن أردت معنى أيّهما في هذه المسألة قلت‏:‏ أتضرب زيداً أم تقتل خالدا لأنَّك لم تثبت أ الفعلين لاسمٍ واحد‏.‏

  هذا باب أو في غير الاستفهام

تقول‏:‏ جالس عمراً أو خالدا أو بشراً كأنَّك‏:‏ قلت‏:‏ جالس أحد هؤلاء ولم ترد إنساناً بعينه ففي هذا دليلٌ أنّ كلهم أهلٌ أن يجالس كأمَّك قلت‏:‏ جالس هذا الضرب من الناس‏.‏

وتقول‏:‏ كل لحماً أو خبزا أو تمراً كأنك‏:‏ قلت‏:‏ كل أحد هذه الأشياء‏.‏

فهذا بمنزلة الذي قبله‏.‏

وإن نفيت هذا قلت‏:‏ لا تأكل خبزا أو لحما أو تمرا‏.‏

كأنك قلت‏:‏ لا تأكل شيئاً من هذه الأشياء‏.‏

ونظير ذلك قوله عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً ‏"‏ أي‏:‏ لا تطع أحداً من هؤلاء‏.‏

وتقول‏:‏ كل خبزا أو تمراً أي‏:‏ لا تجمعهما‏.‏

ومثل ذلك أن تقول‏:‏ ادخل على زيد أو عمرو أو خالدٍ أي‏:‏ لا تدخل على أكثر من واحدٍ من هؤلاء‏.‏

وإن شئت جئت به على معنى ادخل على هذا الضرب‏.‏

وتقول‏:‏ خذه بما عزَّ أو هان كأنه قال‏:‏ خذه بهذا أو بهذا أي لا يفوتَّنك على كل حال ومن العرب من يقول‏:‏ خذه بما عن وهان أي خذه بالعزيز والهّين وكلّ واحدة منهما تجزئ عن أختّها‏.‏

وتقول‏:‏ لأضربنَّه ذهب أو مكث كأنه قال‏:‏ لأضربنَّه ذاهباً أو ماكثاً ولأضربنَّه إن ذهب أو مكث‏.‏

وقال زيادة بن زيد العذريّ‏:‏ إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده أطال فأملى أو تناهى فأقصرا وقال‏:‏ فلست أبالي بعد يوم مطرّفٍ حتوف المنايا أكثرت أو أقلَّت وزعم الخليل أنَّه يجوز‏:‏ لأضربنَّه أذهب أم مكث وقال‏:‏ الدليل على ذلك أنَّك تقول‏:‏ لأضربنَّك أيّ ذلك كان‏.‏

وإنما فارق هذا سواء وما أبالي لأنَّك إذا قلت‏:‏ سواءٌ عليَّ أذهبت أم مكثت فهذا الكلام في موضع سواءٌ عليَّ هذان‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ما أبالي أذهبت أم مكثت هو في موضع‏:‏ ما أبالي واحداً من هذين‏.‏

وأنت لا تريد أن تقول في الأوّل‏:‏ لأضربنَّ هذين ولا تريد أن تقول‏:‏ تناهيت هذين ولكنك إنَّما تريد أن تقول‏:‏ إن الأمر يقع على إحدى الحالين‏.‏

ولو قلت‏:‏ لأضربنَّه أذهب أو مكث لم يجز لأنَّك لو أردت معنى أيهّما قلت‏:‏ أم مكث ولا يجوز لأضربنَّه مكث فلهذا لا يجوز‏:‏ لأضربنَّه أذهب أو مكث كما يجوز‏:‏ ما أدري أقام زيدٌ أو قعد‏.‏

ألا ترى أنَّك تقول‏:‏ ما أدري أقام كما تقول‏:‏ أذهب وكما تقول‏:‏ أعلم أقام زيدٌ ولا يجوز أن تقول‏:‏ لأضربنَّه أذهب‏.‏

وتقول‏:‏ وكلّ حقٍ له سميّناه في كتابنا أو لم نسمِّه كأنه قال‏:‏ وكلّ حقّ له علمناه أو جهلناه وكذلك كلّ حقٍّ هو لها داخلٍ فيها أو خارجٍ منها كأنّه قال‏:‏ إن كان داخلاً أو خارجاً‏.‏

وإن شاء أدخل الواو كما قال‏:‏ بما عزَّ وهان‏.‏

وقد تدخل أم في‏:‏ علمناه أو جهلناه وسمّيناه أو لم نسّمه كما دخلت في‏:‏ أذهب أم مكث وتدخل أو على وجهين‏:‏ على أنه يكون صفة للحقّ وعلى أن يكون حالاً كما قلت‏:‏ لأضربنَّه ذهب أو مكث أي‏:‏ لأضربنَّه كائناً ما كان‏.‏

فبعدت أم ههنا حيث كان خبراً في موضع ما ينتصب حالاً وفي موضع الصفة‏.‏

  باب الواو التي تدخل عليها ألف الاستفهام

وذلك قولك‏:‏ هل وجدت فلاناً عند فلانٌ فيقول‏:‏ أو هو ممن يكون ثمَّ أدخلت ألف الاستفهام‏.‏

وهذه الواو لا تدخل على ألف الاستفهام وتدخل عليها الألف فإنما هذا استفهامٌ مستقبلٌ بالألف ولا تدخل الواو على الألف كما أنّ هل لا تدخل على الواو‏.‏

فإنمّا أرادوا أن لا يجروا هذه الألف مجرى هل إذ لم تكن مثلها والواو تدخل على هل‏.‏

وتقول‏:‏ ألست صاحبنا أو لست أخانا ومثل ذلك‏:‏ أما أنت أخانا أو ما أنت صاحبنا وقوله‏:‏ ألا تأتينا أو لا تحدّثنا إذا أردت التقرير أو غيره ثم أعدت حرفاً من هذه الحروف لم يحسن الكلام إلا أن تستقبل الاستفهام‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ألست أخانا أو صاحبنا أو جليسنا فإنك إنما أردت أن تقول‏:‏ ألست في بعض هذه الأحوال وإنمّا أردت في الأوّل أن تقول‏:‏ ألست في هذه الأحوال كلِّها‏.‏

ولا يجوز أن تريد معنى ألست صاحبنا أو جليسنا أو أخانا وتكرِّر لست مع أو إذا أردت أن تجعله في بعض هذه الأحوال ألا ترى أنّك إذا أخبرت فقلت‏:‏ لست بشراً أو لست عمراً أو قلت‏:‏ ما أنت ببشر أو ما أنت بعمرو لم يجيء إلاّ على معنى لا بل ما أنت بعمرو ولا بل لست بشراً‏.‏

وإذا أرادوا معنى أنّك لست واحداً منهما قالوا‏:‏ لست عمرا ولا بشرا أو قالوا‏:‏ أو بشرا كما قال عزَّ وجل‏:‏ ‏"‏ ولا تطع منهم آثما أو كفوراً‏.‏

ولو قلت‏:‏ أو لا تطع كفورا انقلب المعنى‏.‏

فينبغي لهذا أن يجيء في الاستفهام بأم منقطعاً من الأوّل لأن أو هذه نظيرتها في الاستفهام أم وذلك قولك‏:‏ أما أنت بعمرو أم ما أنت ببشر كأنّه قال‏:‏ لا بل ما أنت ببشر‏.‏

وذلك‏:‏ أنّه أدركه الظنّ في أنه بشرٌ وهذه الواو التي دخلت عليها ألف الاستفهام كثيرةٌ في القرآن‏.‏

قال الله تعالى جدّه‏:‏ ‏"‏ أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون‏.‏

أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحّى وهم يلعبون ‏"‏‏.‏

فهذه الواو بمنزلة الفاء في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أفأمنوا مكر لله ‏"‏ وقال عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ أئنَّا لمبعوثون‏.‏

أو آباؤنا الأوَّلون ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ أو كلّما عاهدوا عهداً ‏"‏‏.‏

  باب تبيان أم لم دخلت على حروف الاستفهام ولم تدخل على الألف

تقول‏:‏ أم من تقول أم من تقول ولا تقول‏:‏ أم أتقول وذاك لأنّ أم بمنزلة الألف وليست‏:‏ أيّ ومن وما ومتى بمنزلة الألف وإنّما هي أسماء بمنزلة‏:‏ هذا وذاك إلاَّ أنهم تركوا ألف الاستفهام ههنا إذ كان هذا النحو من الكلام لا يقع إلا في المسألة فلمّا علموا أنه لا يكون إلا كذلك استغنوا عن الألف‏.‏

وكذلك هل إنمَّا تكون بمنزلة قد ولكنّهم تركوا الألف إذ كانت هل لا تقع إلاَّ في الاستفهام‏.‏

فلت‏:‏ فما بال أم تدخل عليهن وهي بمنزلة الألف قال‏:‏ إنّ أم تجيء ههنا بمنزلة لا بل للتحوَّل من الشيء إلى الشيء والألف لا تجيء أبداً إلاَّ مستقبلةً فهم قد استغنوا في الاستقبال عنها واحتاجوا إلى أم إذ كانت لترك شيءً إلى شيء لأنهم لو تركوها فلم يذكروها لم يتبيّن المعنى‏.‏

  باب ما ينصرف وما لا ينصرف

  هذا باب أفعل

اعلم أنّ أفعل إذا كان صفةً لم ينصرف في معرفة ولا نكرة وذلك لأنَّها أشبهت الأفعال نحو‏:‏ أذهب وأعلم‏.‏

قلت‏:‏ فما باله لا ينصرف إذا كان صفةً وهو نكرةٌ فقال‏:‏ لأنَّ الصفات أقرب إلى الأفعال فاستثقلوا التنوين فيه كما استثقلوه في الأفعال وأرادوا أن يكون في الاستثقال كالفعل إذ كان مثله في البناء والزيادة وضارعه وذلك نحو‏:‏ أخضر وأحمر وأسود وأبيض وآدر‏.‏

فإذا حقّرت قلت‏:‏ أخيضر وأحيمر وأسيود فهو على حاله قبل أن تحقّره من قبل أنّ الزيادة التي أشبه بها الفعل مع البناء ثابتةٌ وأشبه هذا من الفعل ما أميلح زيداً كما أشبه أحمر أذهب‏.‏

  هذا باب أفعل إذا كان اسماً

وما أشبه الأفعال من الأسماء التي في أوائلها الزوائد فما كان من الأسماء أفعل فنحو‏:‏ أفكلٍ وأزملٍ وأيدعٍ وأربع لا تنصرف في المعرفة لأنَّ المعارف أثقل وانصرفت في النكرة لبعدها من الأفعال وتركوا صرفها في المعرفة حيث أشبهت وأمّا ما أشبه الأفعال سوى أفعل فمثل اليرمع واليعمل وهو جماع اليعملة ومثل أكلبٍ‏.‏

وذلك أنّ يرمعاً مثل‏:‏ يذهب واكلبٌ مثل‏:‏ أدخل‏.‏

ألا ترى أنَّ العرب لم تصرف أعصر ولغةٌ لبعض العرب يعصر لا يصرفونه أيضاً وتصرف ذلك في النكرة لأنَّه ليس بصفة‏.‏

واعلم أنّ هذه الياء والألف لا تقع واحدةٌ منهما في أوّل اسمٍ على أربعة أحرف إلا وهما زائدتان‏.‏

ألا ترى أنَّه ليس اسمٌ مثل أفكل يصرف وإن لم يكن له فعلٌ يتصرّف‏.‏

ومما يدلّك أنها زائدة كثرة دخولها في بنات الثلاثة وكذلك الياء أيضاً‏.‏

وإن لم تقل هذا دخل عليك أن تصرف أفكل وأن تجعل الشيء إذا جاء بمنزلة الّرجازة والّربابة لأنه ليس له فعلٌ بمنزلة القمطرة والهدملة‏.‏

فهذه الياء الألف تكثر زيادتهما في بنات الثلاثة فهما زائدتان حتى يجيء أمرٌ بيّن نحو‏:‏ أولقٍ فانَّ أولقاً إنمَّا الزيادة فيه الواو يدلّك على ذلك قد ألق الرجل فهو مألوقٌ‏.‏

ولو لم يتبيّن أمر أولقٍ لكان عندنا أفعل لأنّ أفعل من هذا الضرب أكثر من فوعلٍ‏.‏

ولو جاء في الكلام شيءٌ نحو أكللٍ وأيققٍ فسميت به رجلاً صرفته لأنه لو كان أفعل لم يكن الحرف الأوّل إلاّ ساكناً مدغما‏.‏

وأمّا أوَّل فهو أفعل‏.‏

يدلَّك على ذلك قولهم‏:‏ هو أوّل منه ومررت بأوّل منك والأولى وإذا سميّت الرجل بألبب فهو غير مصروف والمعنى عليه لأنه من اللّبّ وهو أفعل‏.‏

وهو قد علمت ذاك بنات ألبيه يعنون لبّه‏.‏

ومما يترك صرفه لأنه يشبه الفعل ولا يجعل الحرف الأول منه زائداً إلاّ بثببتٍ نحو تنضبٍ فإنما التاء زائدة لأنه ليس في الكلام شيء على أربعة أحرف ليس أوله زائدة يكون على هذا البناء لأنه ليس في الكلام فعلل‏.‏

ومن ذلك أيضاً‏:‏ ترتب وترتب - وقد يقال أيضاً‏:‏ ترتب - فلا يصرف‏.‏

ومن قال ترتبٌ صرف لأنّه وإن كان أوله زائداً فقد خرج من شبه الأفعال‏.‏

وكذلك التّدرأ إنما هو من درأت‏.‏

وكذلك التتفّل‏.‏

ويدلك على ذلك قول بعض العرب‏:‏ التتَّفل وأنه ليس في الكلام كجعفر‏.‏

وكذلك رجلٌ يسَّمى‏:‏ تألب لأنَّه تفعل‏.‏

ويدلك على ذلك أنَّه يقال للحمار ألب يألب بفعل وهو طرده طريدته‏.‏

وإنما قيل له تألبٌ من ذلك‏.‏

وأمّا ما جاء نحو‏:‏ نهشل وتولب فهو عندنا من نفس الحرف مصروفٌ حتىَّ يجيء أمرٌ يبينَّه‏.‏

وكذلك فعلت به العرب لأنَّ حال التاء والنون في الزيادة ليست كحال الألف والياء لأنَّهما لم تكثرا في الكلام زائدتين ككثرتهما‏.‏

فان لم تقل ذلك دخل عليك أن لا تصرف نهشلا ونهسراً‏.‏

وإذا سمّيت رجلا بإثمد لم تصرفه لأنَّه يشبه إضرب وإذا سميّت رجلا بإصبع لم تصرفه لأنه يشبه إصنع‏.‏

وإن سمّيته بأبلمٍ لم تصرفه لأنه يشبه أقتل‏.‏

ولا تحتاج في هذا إلى ما احتجت إليه في ترتبٍ وأشباهها لأنَّها ألفٌ‏.‏

وهذا قول الخليل ويونس‏.‏

وإنما صارت هذه الأسماء بهذه المنزلة لأنهم كأنهم ليس أصل الأسماء عندهم على أن تكون في أوّلها الزوائد وتكون على هذا البناء‏.‏

ألا ترى أن تفعل ويفعل في الأسماء قليل‏.‏

وكان هذا البناء إنّما هو في الأصل للفعل فلما صار في موضع قد يستثقل فيه التنوين استثقلوا فيه ما استثقلوا فيما هو أولى بهذا البناء منه‏.‏

والموضع الذي يستثقل فيه التنوين المعرفة‏.‏

ألا ترى أكثر ما لا ينصرف في المعرفة قد ينصرف في النكرة وإنما صارت أفعل في الصفات أكثر لمضارعة الصِّفة الفعل‏.‏

وإذا سمَّيت رجلاً بفعل في أوله زائدة لم تصرفه نحو يزيد ويشكر وتغلب ويعمر‏.‏

وهذا النحو أحرى أن لا تصرفه وإنَّما أقصى أمره أن يكون كتنضبٍ ويرمعٍ‏.‏

وجميع ما ذكرنا في هذا الباب ينصرف في النكرة فان قلت‏:‏ فما بالك تصرف يزيد في النكرة وإنما منعك من صرف أحمر في النكرة وهو اسم أنه ضارع الفعل فأحمر إذا كان صفةً بمنزلة الفعل قبل أن يكون اسماً فإذا كان اسماً ثم جعلته وأمّا يزيد فإنك لمَّا جعلته اسماً في حال يستثقل فيها التنوين استثقل فيه ما كان استثقل فيه قبل أن يكون اسماً فلَّما صيرَّته نكرةً لم يرجع إلى حاله قبل أن بكون اسماً‏.‏

وأحمر لم يزل اسماً‏.‏

وإذا سمَّيت رجلاً بإضرب أو أقتل أو إذهب لم تصرفه وقطعت الألفات حتَّى يصير بمنزلة الأسماء لأنك قد غيِّرتها عن تلك الحال‏.‏

ألا ترى أنك ترفعها وتنصبها‏.‏

وتقطع الألف لآن الأسماء لا تكون بألف الوصل ولا يحتجّ باسمٍ ولا ابن لقلّة هذا مع كثرة الأسماء‏.‏

وليس لك أن تغيِّر البناء في مثل ضرب وضورب وتقول‏:‏ إن مثل هذا ليس في الأسماء لأنك قد تسمِّى بما ليس في الأسماء إلاَّ أنك استثقلت فيها التنوين كما استثقلته في الأسماء التي شبهَّتها بها نحو‏:‏ إثمد وإصبعٍ وأبلمٍ فإنّما أضعف أمرها أن تصير إلى هذا‏.‏

وليس شيء من هذه الحروف بمنزلة امرىءٍ لأن ألف امرىءٍ كأنك أدخلتها حين أسكنت الميم على مرءٌ ومرأً ومرءٍ فلمَّا أدخلت الألف على هذا الاسم حين أسكنت الميم تركت الألف وصلا كما تركت ألف إبنٍ وكما تركت ألف إضرب في الأمر فإذا سمَّيت بامرىءٍ رجلاً تركته على حاله لأنَّك نقلته من اسم إلى اسم وصرفته لأنَّه لا يشبه لفظه لفظ الفعل‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ امرؤٌ وامرىءٍ وامرأً وليس شيء من الفعل هكذا‏.‏

وإذا جعلت إضرب أو أقتل اسماً لم يكن له بدٌّ من أن تجعله كالأسماء لأنَّك نقلت فعلاً إلى اسم‏.‏

ولو سمَّيته انطلاقاً لم تقطع الألف لأنَّك نقلت اسماً إلى اسم‏.‏

واعلم أن كلَّ اسم كانت في أوله زائدة ولم يكن على مثال الفعل فإنّه مصروف وذلك نحو‏:‏ إصليتٍ وأسلوبٍ وينبوبٍ وتعضوض وكذلك هذا المثال إذا اشتققته من الفعل نحو يضروبٍ وإضريب وتضريب لأن ذا ليس بفعل وليس باسم على مثال الفعل وليس بمنزلة عمر‏.‏

ألا ترى أنك تصرف يربوعاً فلو كان يضروبٌ بمنزلة يضرب لم تصرفه‏.‏

وإنّ سمَّيت رجلاً هراق لم تصرفه لأن هذه الهاء بمنزلة الألف زائدة وكذلك هرق بمنزلة أقم‏.‏

وإذا سمَّيت رجلاً بتفاعلٍ نحو تضاربٍ ثم حقَّرته فقلت تضيرب لم تصرفه لأنه يصير بمنزلة تغلب ويخرج إلى ما لا ينصرف كما تخرج هند في التحقير إذا قلت‏:‏ هنيدة إلى ما لا ينصرف البتَّة في جميع اللغات‏.‏

وكذلك أجادل اسم رجل إذا حقَّرته لأنَّه يصير أجيدل مثل أميلح‏.‏

وإن سمَّيت رجلاً بهرق قلت‏:‏ هذا هريق قد جاء لا تصرف‏.‏

  هذا باب ما كان من أفعل صفة

وذلك‏:‏ أجدلٌ وأخيلٌ وأفعىً‏.‏

فأجود ذلك أن يكون هذا النحَّو اسماً وقد جعله بعضهم صفة وذلك لأن الجدل شدَّة الخلق فصار أجدلّ عندهم بمنزلة شديدٍ‏.‏

وأمّا أخيلٌ فجعلوه أفعل من الخيلان للونه وهو طائر أخضر وعلى جناحه لمعة سوداء مخالفة للونه‏.‏

وعلى هذا المثال جاء أفعىً كأنَّه صار عندهم صفة وإن لم يكن له فعلٌ ولا مصدر‏.‏

وأما أدهم إذا عنيت القيد والأسود إذا عنيت به الحَّية والأرقم إذا عنيت الحّية فإنك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة لم تختلف في ذلك العرب‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ أصرف هذا لأني أقول‏:‏ أداهم وأراقم‏.‏

فأنت تقول‏:‏ الأبطح والأباطح وأجارع وأبارق وإنّما الأبرق صفة‏.‏

وإنما قيل‏:‏ أبرق لأنّ فيه حمرةً وبياضاً وسواداً كما قالوا‏:‏ تيسٌ أبرق حين كان فيه سواد وبياض‏.‏

وكذلك الأبطح إنّما هو المكان المنبطح من الوادي وكذلك الأجرع إنما هو المكان المستوى من الرمل المتمكِّن‏.‏

ويقال‏:‏ مكانٌ جرعٌ‏.‏

ولكّن الصفة ربَّما كثرت في كلامهم واستعملت وأوقعت مواقع الأسماء حتَّى يستغنوا بها عن الأسماء كما يقولون‏:‏ الأبغث فهو صفة جعل اسماً وإنما هو لون‏.‏

ومما يقّوى أنه صفة قولهم‏:‏ بطحاء وجرعاء وبرق فجاء مؤنثّه كمؤنث أحمر‏.‏

اعلم أنك إنّما تركت صرف أفعل منك لأنّه صفة‏.‏

فإن سميّت رجلاً بأفعل هذا بغير منك صرفته في النكرة وذلك نحو أحمدٍ وأصغرٍ وأكبر لأنك لا تقول‏:‏ هذا رجلٌ أصغر ولا هذا رجل أفضل وإنَّما يكون هذا صفة بمنك‏.‏

ولو سميّته أفضل منك لم تصرفه على حال‏.‏

وأمّا أجمع وأكتع فإذا سميّت رجلاً بواحدٍ منهما لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة وليس واحد منهما في قولك‏:‏ مررت به أجمع أكتع بمنزلة أحمر لأن أحمر صفة للنكرة وأجمع وأكتع إنّما وصف بهما معرفة فلم ينصرفا لأنهما معرفة‏.‏

فأجمع ههنا بمنزلة كلَّهم‏.‏